فصل: قال أبو السعود في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومن أشراط الساعة مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذ هو خاتم الأنبياء.
وروي عنه أنه قال: «أنا من أشراط الساعة» وقال: «بعثت أنا والساعة كهاتين وكفرسي رهان» وقيل: منها الدخان وانشقاق القمر.
وعن الكلبي: كثرة المال. والتجارة. وشهادة الزور. وقطع الأرحام. وقلة الكرام. وكثرة اللئام.
{فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم}: الظاهر أن المعنى: فكيف لهم الذكرى والعمل بها إذا جاءتهم الساعة؟ أي قد فاتها ذلك.
قيل: ويحتمل أن يكون المبتدأ محذوفًا. أي: فأنى لهم الخلاص إذا جاءتهم الذكرى بما كانوا يخبرون به فيكذبون به بتواصله بالعذاب؟ ثم أضرب عن ذكر المنافقين وقال: {فاعلم أنه لا إله إلا الله}. والمعنى: دم على عملك بتوحيد.
واحتج بهذا على قول من قال: أول الواجبات العلم والنظر قبل القول والإقرار.
وفي الآية ما يدل على التواضع وهضم النفس. إذ أمره بالاستغفار. ومع غيره بالاستغفار لهم.
{متقبلكم}: متصرفكم في حياتكم الدنيا.
{ومثواكم}: إقامتكم في قبوركم وفي اخرتكم.
وقال عكرمة: متقلبكم في أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات. ومثواكم: إقامتكم في الأرض.
وقال الطبري وغيره: متقلبكم: تصرفكم في يقظتكم. ومثواكم: منامكم.
وقيل: متقلبكم في معائشكم ومتاجركم. ومثواكم حيث تستفزون من منازلكم.
وقيل: متقلبكم بالتاء. وابن عباس بالنون. اهـ.

.قال أبو السعود في الآيات السابقة:

{إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين ءآمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار}.
بيانٌ لحكمِ ولايتِه تعالى لَهُم وثمرتِها الآخرويةِ.
{والذين كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ} أيْ ينتفعونَ في الدُّنيا بمتاعِها {وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنعام} غافلينَ عنْ عواقِبهم {والنار مَثْوًى لَّهُمْ} أي منزلُ ثُواءٍ وإقامةٍ. والجملةُ إمَّا حالٌ مقدرةٌ منْ واويأكُلونَ. أواستئنافٌ {وَكَأَيّن} كلمةٌ مركبةٌ من الكافِ. وأَيْ بمَعنى كَمِ الخبريةِ ومحلُّها الرفعُ بالابتداءِ. وقوله تعالى: {مِن قَرْيَةٍ} تمييزٌ لها. وقوله تعالى: {هِىَ أَشَدُّ قُوَّةً مّن قَرْيَتِكَ} صفةٌ لقريةٍ كما أنَّ قوله تعالى: {التى أَخْرَجَتْكَ} صفةٌ لقريتكَ. وقد حُذفَ عنهُمَا المضافُ وأُجريَ أحكامُه عليهمَا كما يُفصحُ عنه الخبرُ الذي هو قوله تعالى: {أهلكناهم} أي وكم منْ أهلِ قريةٍ هُم أشدُّ قوةً من أهلِ قريتكَ الذين كانُوا سببًا لخروجِكَ من بينِهم. ووصف القريةِ الأولى بشدةِ القُوَّةِ للإيذانِ بأولويةِ الثانيةِ منها بالأهلاكِ لضعفِ قوَّتِها كما أنَّ وصفَ الثانيةِ بإخراجهِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ للإيذانِ بأولويتِها به لقوةِ جنايتِها. وعلى طريقتِه قول النابغةِ:
كُلَيبٌ لعَمْرِي كانَ أكثَر ناصرا ** وَأيسَر جُرمًا منكَ ضُرِّجَ بالدَّمِ

وقوله تعالى: {فَلاَ ناصر لَهُمْ} بيانٌ لعدمِ خلاصِهم من العذابِ بواسطةِ الأعوانِ والأنصارِ إثرَ بيانِ عدمِ خلاصِهم منْهُ بأنفسِهم. والفاءُ لترتيبِ ذكرِ ما بالغيرِ على ذكرِ ما بالذاتِ وهو حكايةُ حالٍ ماضيةٍ.
{أَفَمَن كَانَ على بَيّنَةٍ مّن رَّبّهِ}.
تقريرٌ لتباينِ حَالَيْ فَريَقيْ المؤمنينَ والكافرينَ وكونِ الأولين في أعلى علّيينَ والآخرينَ في أسفلِ سافلينَ وبيانٌ لعلةِ ما لكلَ منهُمَا من الحالِ. والهمزةُ للأنكارِ. والفاءُ للعطفِ على مقدرٍ يقتضيهِ المقامُ. وقد قرىء بدونها. ومَنْ عبارةٌ عن المؤمنينَ المتمسكينَ بأدلةِ الدِّينِ. وجعلُها عبارةً عن النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أو عنْهُ وعنِ المؤمنينَ لا يساعدُه النظمُ الكريمُ على أنَّ الموازنةَ بينه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وبينَهم مما يأباهُ منصبُه الجليلُ. والتقديرُ أليسَ الأمرُ كما ذُكِرَ فمنْ كانَ مستقرا على حجةٍ ظاهرةٍ وبرهانٍ نيّرٍ من مالكِ أمرِه ومربّيهِ وهو القرآن الكريمُ وسائرُ المعجزاتِ والحججِ العقليةِ.
{كَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ} من الشركِ وسائرِ المعاصيِ مع كونِه في نفسِه أقبحَ القبائحِ {واتبعوا} بسببِ ذلكَ التزيينِ {أَهواءهُمْ} الزائغةَ وانهمكُوا في فنونِ الضلالاتِ من غيرِ أنْ يكونَ لهم شبهةٌ توهمُ صحةَ ما هُم عليهِ فضلًا عن حجةٍ تدلُّ عليهِ. وجمعُ الضميرينِ الأخيرينِ باعتبارِ مَعْنى مَنْ. كما أنَّ إفرادَ الأولين باعتبارِ لفظِها.
{مَّثَلُ الجنة التي وُعِدَ المتقون} استئنافٌ مَسُوقٌ لشرحِ مَحَاسنِ الجنَّةِ الموعودةِ آنفًا للمؤمنينَ. وبيانِ كيفيةِ أنهارِها التي أُشيرَ إلى جريانِها من تحتِها. وعُبِّرَ عنهُم بالمتقينَ إيذانًا بأنَّ الإيمانَ والعملَ الصالَح من بابِ التقوى الذي هو عبارةٌ عن فعلِ الواجباتِ بأسرِها وتركِ السيئاتِ عن آخِرها. ومَثَلُها: وصفُها العجيبُ الشأنِ. وهو مبتدأٌ محذوفُ الخبرِ فقدَّرهُ النَّضْرُ بْنُ شُمَيلٍ: مثلُ الجنةِ ما تسمعونَ. وقوله تعالى: {فِيهَا أَنْهَارٌ} إلخ مفسرٌ لَهُ وقدَّرهُ سيبويهِ فيما يُتلَى عليكُم مَثَلُ الجنةِ. والأول هو الأنسبُ لصدرِ النظمِ الكريمِ. وقيلَ المَثَلُ زائدةٌ كزيادةِ الاسمِ في قول مَنْ قال:
إلى الحول ثُمَّ اسْمُ السَّلامِ عليكما

والجنةُ مبتدأٌ خبرُهُ فيها أنهارٌ إلخ.
{مّن مَّاء غَيْرِ ءاسِنٍ} أيْ غيرِ متغيرِ الطعمِ والرَّائحةِ. وقرىء غيرِ أَسِنٍ.
{وَأَنْهَارٌ مّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} بأنْ صارَ قارِصًا ولا خَازِرًا كألبانِ الدُّنيا.
{وأنهار مّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ للشاربين} لذيذةٍ ليسَ فيها كراهةُ طعمٍ وريحٍ ولا غائلةُ سُكرٍ ولا خُمارٌ. وإنما هيَ تلذذٌ محضٌ. ولذةٍ إمَّا تأنيثُ لذَ بمعنى لذيذٍ. أو مصدرٌ نُعتَ به مبالغةً. وقرىء لذةٌ بالرفعِ على أنَّها صفةُ أنهارٌ. وبالنصبِ على العلَّةِ أي لأجلِ لذةِ الشاربينَ {وأنهار مّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى} لا يُخالطُه الشمعُ وفضلاتُ النحلِ وغيرُها. وفي هذا تمثيلٌ لما يَجْري مَجرى الأشربةِ في الجنةِ بأنواعِ ما يُستطابُ منها ويُستلذُّ في الدُّنيا بالتخليةِ عمَّا يُنغصها ويُنقصها والتحليةِ بما يُوجبُ غزارتُها ودوامَها.
{ولهُمْ فِيهَا} مع ما ذُكَر من فنونِ الأنهارِ {مِن كُلّ الثمرات} أيْ صنفٌ من كلِّ الثمراتِ {وَمَغْفِرَةٌ} أي ولهم مغفرةٌ عظيمةٌ لا يُقادَرُ قَدرُها.
وقوله تعالى: {مّن رَّبّهِمُ} متعلقٌ بمحذوفٍ هو صفة لمغفرةٌ مؤكدةٌ لما أفاده التنكيرُ من الفخامةِ الذاتيةِ بالفخامةِ الإضافيةِ أي كائنةٌ من ربِّهم. وقوله تعالى: {كَمَنْ هو خالد في النار} خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ تقديرُهُ أمَّنْ هو خالدٌ في هذه الجنةِ حسبما جرى به الوعدُ كمن هو خالدٌ في النَّارِ كما نطقَ بهِ قوله تعالى: والنَّارُ مَثْوىً لَهُم. وقيل هو خبرٌ لَمثَلُ الجنةِ على أنَّ في الكلامِ حذفًا. تقديرُهُ أمثلُ الجنةِ كمثلِ جزاءِ من هو خالدٌ في النَّارِ أوأمثلُ أهلِ الجنةِ كمثلِ من هو خالدٌ في النارِ. فعُرّيَ عن حرفِ الأنكارِ وحُذفَ ما حذفَ تصويرًا لمكابرةِ مَن يُسوي بين المتمسكِ بالبينةِ وبين التابعِ للهوى بمكابرةِ من سوَّى بين الجنةِ الموصوفةِ بما فُصِّلَ من الصفاتِ الجليلةِ وبين النارِ.
{وَسُقُواْ مَاء حَمِيمًا} مكانَ تلك الأشربةِ {فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ} من فرْطِ الحرارةِ قيل إذا دنَا منهم شَوَى وجوهَهم وانمازتْ فروةُ رؤوسِهم فإذا شربوُه قطَّع أمعاءَهم.
{وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ}.
هم المنافقونَ وإفرادُ الضميرِ باعتبارِ لفظِ مَنْ كما أنَّ جمعَهُ فيما سيأتي باعتبارِ معناها. كانُوا يحضُرون مجلسَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسمعونَ كلامَهُ ولا يَعُونَهُ ولا يُراعونَهُ حقَّ رعايتِه تهاونًا منهُم.
{حتى إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قالواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ العلم} من الصحابةِ رضي الله عنهُم {مَاذَا قال ءانِفًا} أي ما الذي قال الساعةَ على طريقةِ الاستهزاءِ وإن كان بصورةِ الاستعلامِ. وانِفًا من قولهم أنْفُ الشيءِ لما تقدمَ منه مستعارٌ من الجارحةِ ومنه استأنفَ الشيءَ وائتنفَ. وهو ظرف بمعنى وقتًا مؤتنفًا. أو حال من الضمير في قال. وقرىء آنفًا.
{أولئك} الموصوفونَ بما ذُكِرَ {الذين طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ} لعدمِ توجههم نحوالخيرِ أصلًا.
{واتبعوا أَهواءهُمْ} الباطلةَ فلذلك فعلُوا ما فعلُوا مما لا خيرَ فيهِ {والذين اهتدوا} إلى طريقِ الحقِّ {زَادَهُمْ} أي الله تعالى {هُدًى} بالتوفيقِ والإلهامِ {وءاتاهم تقواهم} أعانهُم على تقواهُم أوأعطاهُم جزاءَها أوبيّنَ لهم ما يتقونَ.
{فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة} أي القيامةَ. وقوله تعالى: {أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} أي تُباغتُهم بغتةً وهي المفاجأةُ. بدلُ اشتمالٍ من الساعةَ والمعنى أنَّهم لا يتذكرونَ بذكرِ أهوالِ الأممِ الخاليةِ ولا بالأخبارِ بإتيانِ الساعةِ وما فيها من عظائمِ الأهوالِ وما ينتظرونَ للتذكرِ إلا إتيانِ نفسِ الساعةِ بغتةً. وقرىء بَغَتةً بفتحِ الغينِ. وقوله تعالى: {فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا} تعليلٌ لمفاجأتِها. لا لإتيانِها مُطلقًا على معنى أنه لم يبقَ من الأمورِ الموجبةِ للتذكِر أمرٌ مترقبٌ ينتظرونَهُ سوى إتيانِ نفسِ الساعةِ إذْ قد جاءَ أشراطُها فلم يرفعُوا لها رأسًا ولم يعدّوها من مبادىءِ إتيانِها فيكون إتيانُها بطريقِ المفاجأةِ لا محالةَ. والأشراطُ جمعُ شَرَطٍ بالتحريكِ. وهي العلامةُ والمرادُ بها مبعثُه صلى الله عليه وسلم وانشقاقُ القمرِ ونحوُهما. وقوله تعالى: {فأنى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} حكمٌ بخطِئهم وفسادِ رأيهم في تأخيرِ التذكرِ إلى إتيانِها ببيانِ استحالةِ نفعِ التذكرِ حينئذٍ كقوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنسان وأنى لَهُ الذكرى} أي وكيفَ لهم ذكراهُم إذا جاءتْهُم على أن أنَّى خبرٌ مقدمٌ وذكراهُم مبتدأٌ وإذا جاءتْهُم اعتراضٌ وسطٌ بينهما رمزًا إلى غايةِ سرعةِ مجيئِها وإطلاقُ المجىءِ عن قيدِ البغتِه لما أن مدارَ استحالةِ نفعِ التذكرِ كونُه عند مجيئِه مطلقًا لا مقيدًا بقيدِ البغتِة. وقرىء أنْ تأتِهم على أنَّه شرطٌ مستأنفٌ جزاؤُه فأنَّى لهم إلخ. والمعنى إنْ تأتِهم الساعةُ بغتةً لأنه قد ظهرَ أماراتُها فكيفَ لهم تذكرُهم واتعاظُهم إذا جاءتْهُم.
{فاعلم أَنَّهُ لاَ إله إِلا الله} أي إذا علمتَ أنَّ مدارَ السعادةِ هو التوحيدُ والطاعةُ ومناطَ الشقاوةِ هو الإشراكُ والعصيانُ فاثبُتْ على ما أنتَ عليه من العلمِ بالوحدانيةِ والعملِ بموجبِه.
{واستغفر لِذَنبِكَ} وهو الذي رُبَّما يصدرُ عنه عليه الصلاةُ والسلامُ من تركِ الأولى. عُبِّر عنه بالذنبِ نظرًا إلى منصبِه الجليلِ. كيفَ لا وحسناتُ الأبرارِ سيئاتُ المقربينَ وإرشادٌ له عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ إلى التواضعِ وهضمِ النفسِ واستقصارِ العملِ.
{وللْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات} أي لذنوبِهم بالدعاءِ لهم وترغيبِهم فيما يستدعي غفرانَهم. وفي إعادةِ صلةِ الاستغفارِ تنبيهٌ على اختلاف متعلّقَيه جنسًا. وفي حذفِ المضافِ وإقامةِ المضافِ إليهِ مُقامَهُ إشعارٌ بعراقتِهم في الذنبِ وفرطِ افتقارِهم إلى الاستغفارِ.
{والله يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ} في الدُّنيا فإنَّها مراحلُ لابد من قطعِها لا محالةَ.
{وَمَثْوَاكُمْ} في العُقْبى فإنَّها موطنُ إقامتِكم فلا يأمرُكم إلا بما هو خيرٌ لكم فيهما فبادِرُوا إلى الامتثالِ بما أمركُم به فإنه المهمُّ لكم في المقامينِ وقيل يعلمُ جميعَ أحوالِكم فلا يَخْفى عليه شيءٌ منها. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله تبارك وتعالى: {الذين كَفَرُواْ} أي: جحدوا بتوحيد الله تعالى. وبالقرآن {وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} أي: صرفوا الناس عن طاعة الله. وهو الجهاد {أَضَلَّ أعمالهم} يعني: أبْطَلَ الله حسناتهم التي عملوا في الدنيا. لأنهم عملوا بغير إيمان. وكل عمل يكون بغير إيمان. فهو باطل كما قال: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وهو في الآخرة مِنَ الخاسرين} [آل عمران: 85] الآية.
قال الكلبي: نزلت في مطعمي بدر. وهم رؤساء مكة. الذين كانوا يطعمون الناس في حال خروجهم إلى بدر. منهم أبو جهل والحارث ابنا هشام. وعتبة وشيبة ابنا ربيعة. وأبي وأمية ابنا خلف. ومنبه ونبيه ابنا الحجاج. وغيرهم.
ويقال: هذا في عامة الكفار.
وهذا كقوله: {والذين كفروا أعمالهم كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظمان مَاءً حتى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا ووجَدَ الله عِندَهُ فوفاه حِسَابَهُ والله سَرِيعُ الحساب} [النور: 39] الآية.
وروى مجاهد عن ابن عباس قال: {الذين كَفَرُواْ} هم أهل مكة {والذين ءآمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات} قال هم الأنصار. الذين آمنوا. يعني: صدقوا بالله تعالى. وبمحمد صلى الله عليه وسلم. وبالقرآن وعملوا الصالحات. يعني: أدوا الفرائض والسنن. وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. ومن كان في مثل حالهم {والذين ءآمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات وَءآمنوا بِمَا نُزّلَ على مُحَمَّدٍ} يعني: صدقوا بما أنزل جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم. وهو الحق وليس فيه باطل. ولا تناقض {كَفَّرَ عَنْهُمْ سيئاتهم} يعني: محا عنهم ذنوبهم التي عملوا في الشرك. بإيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم. وطاعتهم لله تعالى. فيما يأمرهم به من الجهاد {وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} يعني: حالهم.
وهذا قول قتادة.
وقال مقاتل: يعني: بين أمورهم في الإسلام. وعملهم وحالهم. حتى يدخلوا الجنة.
وروى مجاهد {وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} يعني: شأنهم وقال القتبي {كَفَّرَ عَنْهُمْ سيئاتهم} أي: سترها {وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} أي: حالهم.
ويقال: أصلح بالهم يعني: أظهر الله تعالى أمرهم في الإسلام. حتى يقتدى بهم.
ثم بين المعنى الذي أحبط أعمال الكافرين. وأصلح شأن المؤمنين فقال: {ذَلِكَ بِأَنَّ الذين كَفَرُواْ} يعني: ذلك الإبطال. بأن الذين كفروا {اتبعوا الباطل} يعني: اختاروا الشكر وثبتوا عليه. ولم يرغبوا في الإسلام.
ويقال: معناه لأنهم اختاروا الباطل على الحق. واتباع الهوى. على اتباع رضى الله سبحانه وتعالى {ذَلِكَ بِأَنَّ الذين} وهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم {اتبعوا الحق مِن رَّبّهِمْ} يعني: اتبعوا القرآن. وعملوا به.
ويقال: معناه اختاروا الإيمان على الكفر. واتباع القرآن. واتباع رضى الله تعالى على اتباع الهوى.
قوله تعالى: {كَذَلِكَ يَضْرِبُ الله لِلنَّاسِ أمثالهم} يعني: هكذا يبين الله صفة أعمالهم.
ثم حرض المؤمنين على القتال فقال: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الذين كَفَرُواْ فَضَرْبَ الرقاب} يعني: اضربوا الرقاب. صار نصبًا بالأمر. ومعناه اضربوا الأعناق ضربًا.
وروى وكيع. عن المسعودي. عن القاسم بن عبد الرحمن. عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «إِنّي لَمْ أُبْعَثُ لأُعَذِّبَ بِعَذَابِ الله. وَإِنَّمَا بُعثْتُ بِضَرْبِ الرِّقَابِ. وَشَدِّ الوَثَاقِ» {حتى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ الوثاق} يعني: حتى إذا قهرتموهم وأسرتموهم. فشدوا الوثاق يعني: فاستوثقوا أيديهم من خلفهم.
ويقال الإثخان: أن يعطوا أيديهم. ويستسلموا وقال الزجاج {حتى أَثْخَنتُمُوهُمْ} يعني: أكثرتم فيهم القتل والأسر بعد المبالغة في القتل.
وقال مقاتل: حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوُهم بالسيف. فظفرتم عليهم {فَشُدُّواْ الوثاق} يعني: الأسر.
{فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ} يعني: عتقًا بعد الأسر. بغير فداء {وَإِمَّا فِدَاء} يعني: يفادي نفسه بماله.
وروي عن إبراهيم النخعي. أنه قال: الإمام بالخيار في الأسرى. إن شاء فادى. وإن شاء قتل وإن شاء استرق.